الوصايا العشر المجلس الثاني ذرائع الشرك

إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره , ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا , من يهده الله فلا مصل له ومن يضلل فلا هادي له

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له , وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم أما بعد فإن أصدق الحديث كلام الله وخير الهدي هدي ممد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار
ذرائع الشرك

تكلمنا في المقال الأول عن الوصية الأولى وهي التحذير من الشرك فبيّنا حرمة الشرك وخطورة الوقوع فيه واليوم نتكلم عن ذرائع الشرك ومظاهره فان الإسلام يحرم المحرمات ويقطع أسباب الوقوع فيها فكل أمر يؤول بصاحبه إلى الوقوع في الحرام فالشرع يمنعه سدا لذريعته

وان أعظم ما كان سببا للوقوع في الشرك بالله سبحانه مما جاء الوحي بالنهي عنه والتحذير منه الغلو في المخلوقات من الأنبياء والصالحين ورفعهم فوق منزلتهم ففي صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما سَمِعَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ

سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ )

والإطراء مجاوزة الحد في المدح فالنبي صلى الله عليه وسلم يوصي أصحابه ويعلمهم فيقول لا تتجاوزوا الحد في مدي حتى ارفع عن منزلتي ولا تتشبهوا في ذلك بالنصارى الذين غلو في عيسى عليه السلام فمدحوه وغلو في مدحه وتجاوزوا بذلك المدح إلى أن قالوا عن بشر هو ابن الله ثم قالوا عنه عليه السلام هو الله فكفروا بغلوهم قال عزّ وجل : لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم ) فالنبي عليه الصلاة السلام وهو الناصح لامته أن تقع في ما وعت فيه بنوا إسرائيل فحذر أمته من الغلو والإطراء فقال لا تفعلوا ولا تقولوا مثل قولهم إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله فبين عليه الصلاة والسلام انه عبد من العباد مخلوق لا يجوز رفعه على هذه المنزلة فلا يعلم الغيب ولا ينفع ولا يضر ويموت كما يموت البشر ونبّه عليه الصلاة والسلام حتى لا ينتقص الناس قدره انه مع بشريته فقد أكرمه الله بالرسالة التي يستحق بموجبها المحبة والتعظيم والاقتداء به وعدم تجاوز أمره ونهيه.

فبين عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث مكانته وقدره وحذر من فعل النصارى في الغلو ونبه أن الغلو سبب الوقوع في الشرك بالله والكفر به , وهذا ما حدث أول ما ظهر الشرك أنما كان سببه الغلو في التعظيم فالغلو في المحبة توقع في الغلو في الحبوب فيعبد من دون الله كما نبه ابن القيم وهذا ابن عباس رضي الله عنه يوضح هذا إذ يقول رضي الله عنهما في تفسير قوله تعالى:( وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آَلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا) قال : هذه أسماء أناس صالحين من قوم نوح, فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابا وسموها بأسمائهم حتى إذا مات أولئك ونسي العلم عبدت

فهذا بيان من ابن عباس سبب الشرك الأول هو البناء على قبور الصالين تعظيما لهم فليحذر الموحد سبل الضلال ويجتنب وسائله

ولأجل هذا نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عما فيه هلاكنا وكان لنا من الناصحين فحذرنا من الغلو فيه في حياته فقال : إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله )وحذرنا كذلك من مظاهر الشرك ووسائله بعد وفاته فنهانا عن تعظيم قبره وجعله عيدا خاصة ونهانا عن تعظيم القبور عامة

في صحيح البخاري عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وابن عباس قالا لَمَّا نَزَلَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَفِقَ يَطْرَحُ خَمِيصَةً لَهُ عَلَى وَجْهِهِ فَإِذَا اغْتَمَّ كَشَفَهَا عَنْ وَجْهِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ يَقُولُ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا) قال الحافظ ابن حجر وكأنه صلى الله عليه وسلم علم انه مرتحل من ذلك المرض فخاف أن يعظم قبره كما فعل من مضى فلعن اليهود والنصارى إشارة منه إلى ذم من يفعل ذلك وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها انه صلى الله عليه وسلم قال في مرضه الذي مات فيه:( لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسْجِدًا) قَالَتْ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَأَبْرَزُوا قَبْرَهُ غَيْرَ أَنِّي أَخْشَى أَنْ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا وعنها رضي الله عنها أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ ذَكَرَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَنِيسَةً رَأَتْهَا بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ يُقَالُ لَهَا مَارِيَةُ فَذَكَرَتْ لَهُ مَا رَأَتْ فِيهَا مِنْ الصُّوَرِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أُولَئِكَ قَوْمٌ إِذَا مَاتَ فِيهِمْ الْعَبْدُ الصَّالِحُ أَوْ الرَّجُلُ الصَّالِحُ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ أُولَئِكَ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ)

فهذه النصوص تبين أن تعظيم قبور موتى الصالحين والأنبياء بالبناء عليها والتبرك عندها وإيقاد السرج ووضع التصاوير من فعل المغضوب عليهم ,ولا يجوز مشابهتهم فيها. فلذلك لعنهم ولذلك اجتنب الصحابة رضي الله عنهم وهم أصدق المحبين لرسولهم وأصدق المتّبعين لشريعته عظّموا وصيته واجتنبوا نهيه وابتعدوا عن مظاهر الجاهلية وطريق الشرك

قال القرطبي المالكي رحمه الله: وكل ذلك أي الوعيد والنهي لقطع الذريعة المدية إلى عبادة من فيها

ثم هذه النصوص تبيّن حرمة الصلاة في المساجد التي بنيت على القبور أو فيها قبر لانّ النهي عن بنائها وإنما تبنى للصلاة نهي عن الصلاة فيها

فإذا كان تعظيم الميت أو قبره من الكبائر التي لعن أصحابها لأنها طريقة لشرك فكيف بصرف العبادة لأهلها والتقرب إليهم بما يتقرب به إلى الله جل وعلا من الاستغاثة والتوكل والدعاء والذبح والنذر والإهلال فكلها عبادات لا يجوز صرفها لغير الله وإلا كان إشراكا بالله جل وعلا

الشرك قسمان

الشرك ذنب عظيم كله لذلك لا يقبله الله ولا يقبل معه أي عمل لكنه ليس على منزلة واحدة كذلك فمنه الشرك الأكبر ومنه الشرك الأصغر

فالشرك الأكبر أن يصرف الإنسان العبادة لغير الله جل وعلا كالصلاة لغير الله أو الاستعانة بغير الله في مالا يقدر عليه إلا الله أو دعاء غير الله أو الذبح لغير الله أو النذر فكل هذه عبادة شرعها الله ليتقرب بها الإنسان لربه جل وعلا وصرفها لغيره شرك أكبر محبط للأعمال وناقض للإيمان ومخلد في النار والعياذ بال

وشرك أصغر وهو دون هذا ويكون في الألفاظ التي قد لا يقصد معناها صاحبها ولكنها تتضمن مدلولا ومعنى نسبة خير أو دفع شر لغير الله ومنه الحلف بغير الله وقولهم لولا فلان لكان كذا فهذا الشرك اللفظي من الشرك الأصغر الذي يجب على الموحد التبرؤ منه واجتنابه ومن هذا

الرياء , والتعلق بالأسباب التي لم يجعلها الله سببا لا شرعا ولا كونا كالتعلق بالتميمة و الودعة إذا اعتقدها سببا وقد تكون شركا اكبر إذا اعتقدها تضر وتنفع وهذا لا يخرج من الملة

ومن أهل العلم من زاد نوعا ثالثا وهو الشرك الخفي وهو الرياء وعده قسما منفصلا والله اعلم.

يتبع..................

توقيع عــــــــابر سبيل

بارك الله فيك على المجهود الذي بذلته في المجالس العشر اخي عابر سبيل

مجهود ارجو من الله ان يجعله في ميزان حسناتك.

توقيع غزة الجريحة

الوصايا العشر المجلس الثاني ذرائع الشرك 1aba5b3a12

توقيع دموع الورد