هذه الآيات المحكمات من القرآن العظيم يسميها العلماء الوصايا العشر وقد جاء فيها ما رواه الحاكم وصححه عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيكم يبايعني على ثلاث؟" -ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: { قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ } حتى فرغ من الآيات -فمن وفى فأجره على الله، ومن انتقص منهن شيئًا فأدركه الله به في الدنيا كانت عقوبته (7) ومن أخر إلى الآخرة فأمره إلى الله، إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه".
فهي وصايا عظيمة جليلة ذكر الله فيها ما يحرم على الناس اقترافه ليجتنبوه, فدين الإسلام أوامر ونواهي وتحقيق عبودية الله بالفعل والترك لذلك يقول علي رضي الله عنه في قوله تعالى : (أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى ) قال علي: أي لا يؤمر ولا ينهى
فالقرآن مليء بالأوامر والنواهي التي تضبط حياة المسلم, وكما أن الواجبات ليست على مرتبة واحدة في توكيدها, فكذلك المنهيات تتفاوت في عظيم جرمها وهذه الآيات المحكمات فصّلت ما حرّمه الله سبحانه من أكد المنهيات وكان أول ما نهى الله عنه فيها هو أعظم الذنوب وأشنعها الإشراك بالله جلّ وعلا
هذه أول الوصايا وأعظمها أن يجتنب المسلم الإشراك بالله سبحانه والشرك أعظم الذنوب لأنه تعدّ على حق الله سبحانه وتعالى وتعطيل له
وحقيقة الشرك أن يصرف الإنسان أي نوع من أنواع العبادات لغير الله سبحانه والأصل أن تكون كل العبادات له وحده جل وعلا لانفراده بالخلق والإيجاد فهو مستحق أن يفرد بالعبادة ولذلك عرّف النبي صلى الله عليه وسلم الشرك بقوله: أن تجعل لله ندا وهو خلقك
فالله جل وعلا متفرد بالخلق والإيجاد ومتفرد بالإنعام على العباد وهو المستحق وحده أن يفرد بالعبودية له فخلق الخلق ليعبدوه وبالإلهية يفردوه كما قال سبحانه مبينا الغاية من خلق العالمين : (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ ) قال ابن عبّاس رضي الله عنهما أي ليوحدون وبيّن سبحانه كذلك انه إنما أنزل الكتب لدعوة الناس لعبوديته وحده لا شريك له فقال جل وعلا الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1) أَلا تَعْبُدُوا إِلا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ)
والرسل التي أرسلها عليها السلام كذلك إنما كانت دعوتها إلى تحقيق توحيد الله بالعبادة وحده لا شريك له قال عزّ وجل : (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ )ومن هؤلاء الرسل رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم جاء بما جاءت به الرسل من قبله وهو الدعوة إلى توحيد الله جل وعلا قال تعالى : (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ) وقال سبحانه : )هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ )
فتوحيد الله بالعبادة هو غاية خلق الخلق وهو حق الله سبحانه على عباده كما جاء في الصحيحين من حديث معاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له ك يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد وما حق العباد على الله؟ قال الله ورسوله اعلم . قال حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا
فالشرك تعدّ على حق الله سبحانه وصرف للعبادة عن موضعها قال جل وعلا : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ) فهم عدلوا بالعبادة عن موضعها وصرفوها لغيره سبحانه, لذلك سماه الله ظلما ووصفه لقمان وهو يعظ ابنه انه ظلم عظيم
فلا يتحقق لمسلم توحيد حتى يجتنب الشرك ولا يكون الإنسان موحدا إلا بتبّرئه من الشرك كما قال إبراهيم لقومه (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (27) وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) فتبرأ من فعل قومه واثبت عبوديته لله جل وعلا وجعل هذا كلمة باقية في عقبه إفراد الله بالعبادة والتبرؤ من الشرك وهذا حقيقة كلمة التوحيد التي يرددها المسلم في ليله ونهاره فهي تتضمن إثبات العبودية لله ونفيها عما سواه فكان معناها لا معبود بحق إلا الله أو لا يستحق العبادة الله
والناظر في كتاب الله جل وعلا يجد انه بقدر ما جاءت النصوص تأمر بعبادة الله كذلك جاءت تنهى عن الإشراك بالله جل وعلا من ذلك
قوله تعالى : لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا )وقال سبحانه متوعدا من يشرك به: (إنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا )وقال جل وعلا ( إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ )وقال جل جلاله (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ) وقال سبحانه وهو يخاطب رسوله الكريم وهذا من تدير المحال فان الله عصم نبيه من الوقوع في الكبائر قال جل جلاله( وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ)
فهذه النصوص تبيّن عظم هذا الذنب وخطورته وجزاء مرتكبه فلو بقي الإنسان حياته كلها قانتا ساجدا لله مكثرا للخير مع الناس والحيوان لكنه يصرف حق اله لغيره فانه لا تقبل أعماله بل تحبط وترد ويكون من الهالكين والعياذ بالله ونكتفي بما ذكرنا من الآيات ما يدل على عظم ذنب الشرك وتحريمه ونذكر من السنة الصحيحة شيئا من ذلك
فهذه النصوص تبين عظم الشرك بالله جل وعلا وخطورة الوقوع فيه وغنها لتدفع المسلم إلى الحذر كل الحذر من الوقوع في مظاهر الشرك بالله وقد انتشر وللأسف منها الكثير بين المسلمين
فعلى الإنسان أن يتعلم حق الله ويسعى في تحقيقه وكذلك عليه أن يعرف الشرك ويجتهد في اجتنابه فان الكثير من الناس يقعون في الشرك لجهلهم بحقيقته والمسلم يتعلم الهدي ليتبعه وكذلك يعرف الباطل ليجتنبه
يتبع
شهيدة القدس المدير العام
عدد المساهمات : 1146مجموع النقاط : 6908بـلـدي : هوايتي : المهنة : الحـالة : إحترام قوانين المنتدى : الأوســمة :
. :
. :
موضوع: رد: الوصايا العشر المجلس الأول الشرك 2009-01-17, 9:21 pm
دائما سبحان الله ترهبني هذه الاية
ان الله لا يغفر ان يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء
برغم انه الرحمن الرحيم يغفر كل شيء وكل المعاصي حتى الكبائر والموبقات الا اكبر الكبائر الا وهو الشرك،ويستوقفني ايضا حديث الرسول صلى الله عليه وسلم عنأبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : قال الله تبارك وتعالى : ( أنا أغنى الشركاء عن الشرك ، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه ) رواه الإمام مسلم ، وفي رواية ابن ماجه( فأنا منه بريء وهو للذي أشرك) فالله يأبى سبحانه جل جلاله ان يتقرب الى غيره بالطاعات او يقصد غيره فهو الله والرب المتعالي سبحانه.
نسال الله ان يعيذنا من شرك الالوهية والربوبية والصفات وان يجنبنا الشرك الاصغر
الفاضل عابر سبيل مجلسك متميز ووالمجالس العشر كلها ماشاء الله
غزة الجريحة .
عدد المساهمات : 134مجموع النقاط : 5707بـلـدي : هوايتي : الحـالة : إحترام قوانين المنتدى : الأوســمة :
. :
. :
موضوع: رد: الوصايا العشر المجلس الأول الشرك 2009-02-25, 11:26 pm
الله يجنبنا الشرك يارب ماعلمنا منه ومالم نعلم
جعلنا الله من اهل التوحيد القائمين عليه
بارك الله فيك اخي عابر سبيل
دموع الورد ...
عدد المساهمات : 702مجموع النقاط : 6301بـلـدي : هوايتي : الحـالة : إحترام قوانين المنتدى : الأوســمة :
. :
. :
موضوع: رد: الوصايا العشر المجلس الأول الشرك 2009-07-06, 3:46 pm